Ingmar Bergman 1918-2018 مئة عام على ميلاد إنغمار بيرغمان

ingmar-bergman-118322.jpg

يُعَد السويدي إنغمار بيرغمان من أهم سينمائييّ القرن العشرين، حيث حازَ على هذه المكانة بعددٍ من الخصائص في رؤيته السينمائية وأسلوبه وما أنتجه من أعمال. فهو أولاً من المخرجين-المؤلفين -كما يسميهم مايكل هانيكه*-، فقد أخرج وألَّف غالبَ أعماله، ما جعله يعمل ويشرف على جميع مراحل إنتاجها، فمكَّنه ذلك من تجسيد رؤيته السينمائية قدر الإمكان. هو أيضاً صاحب إنتاج غزير في السينما والمسرح والتلفزيون، من شبابه في أربعينيات القرن الماضي حتى بداية الألفية، أدَّى ذلك لوضوح رؤيته ونضج أسلوبه وتأكيده باستمرار، ليكون أساساً ثابتاً لكل أعماله.

هاتان الخاصيتان تجعلان منه اسماً لابد من التوقف عنده لكل متابع للسينما. ومما نجد من ذلك، أنه يمكننا الوصول لثلاث نتائج عامة عنه: أن لأعماله عالمها وموضوعاتها وثيماتها الخاصة التي تتأكد باستمرار. أن شخصيات أعماله متفردَّة في الهموم التي تحملها، وفي أسلوب تجسيدها. أن رؤيته للعمل في كل عناصره مختلفة وجريئة من جهة، ومنسجمة وملائمة للعنصرين السابقين من جهة أخرى.

في الآتي سأحاول التفصيل في هذه النتائج العامة، كمحاولة لرسم نموذج نستطيع من خلاله التعرف على ملامح من عالمه الواسع، وهي كتابة تأتي بالتوافق وبمناسبة الذكرى المئة لميلاده 1918 - 2018:

أولاً: الموضوعات والثيمات:

يمكننا تقسيم أعمال بيرغمان بحسب موضوعاتها إلى قسميَن رئيسين، يحوي كل منهما عدداً من الأفلام. الأول قسم يعالج موضوعات اجتماعية، والثاني يعالج موضوعات وجودية. هذا التقسيم ليس حدياً أو نهائياً، حيث تتداخل موضوعات القسمين في بعض الأفلام، لكننا مع ذلك يمكننا تعميمه لحدِ كبير.

محور الأعمال الاجتماعية هو الأسرة، فنجد أعمال تعالج موضوعات أسرية عديدة كالتربية، والعلاقة بين أفراد الأسرة، تتناولها من حيث القيم والمبادئ التي تحرِّك هذه العلاقات، أو المشاعر والسلوكيات التي تُغذّيها وتُولد فيها كالحب والكره والقسوة والعطف والرحمة والتسامح وغيرها، أو تعالج الأحداث المفصلية فيها كالزواج والطلاق والولادة والموت وغيرها، أو مجموعٌ من ذلك.

محور الأسرة هو الفرد، وأكثر الثيمات تكراراً هنا هو تحرّك هذا الفرد داخل الأسرة في صراع مستمر ما بين استقلاليته عنها وما بين ارتباطه بها وبماضيه معها. كل ذلك يعالجه بيرغمان من عمومياته إلى أدق تفاصيله، فيدخل مناطق مظلمة في هذه الموضوعات لم يدخلها أحدٌ قبله، ويسلِّط عليها الضوء، كما في Scenes From a Marriage 1973.

أما في القسم الثاني فمحور الأعمال الوجودية هي دواخل الانسان وعوالمه، فنجد أعمالاً تعالج موضوعات داخلية كمعنى الحياة، أو كبر السن والعجز، أو الموت، أو علاقة الانسان بماضيه، أو علاقته بالدين، أو الأحداث المفصلية التي يختبرها كالموت أو تجارب قاسية كالحرب أو مجموعٌ من ذلك كله.

محور دواخل الانسان وعوالمه هي همومه، وأكثر الثيمات تكراراً هي الهم الذي يحمله خلال سعيه لإيجاد معنى لحياته وأعماله وعلاقاته والخروج من حالة فراغ المعنى، أو خوفه من الموت، أو توتر علاقته بالدين والأسئلة الكبرى المتعلقة بذلك. كل ذلك يعالجه من عمومياته إلى أدق تفاصيله، فيدخل مناطق مظلمة في هذه الموضوعات لم يدخلها أحدٌ قبله، ويسلِّط عليها الضوء، كما في The Seventh Seal 1957.

يبدأ كل شيء وينتهي في دواخل الفرد

في هذين القسمين يبدأ كل شيء وينتهي في دواخل الفرد. حيث نختبر ما يدور فيها من تقلّبات وتغيرات، ففي كلاهما نرى كيف تكون لسلوكيات معينة  تأثيرٌ عميق على حياة الفرد من طفولته حتى كبره، وكيف يمكن لهموم كبرى أن تعيق حياة الانسان لدرجة قد تُنهي حياته.

هذا التركيز على النفس الإنسانية والتناول الدقيق لحالاتها المختلفة، يجعلنا نرى في بيرغمان المقابل السينمائي للأديب الروسي فيدور دايستايفسكي إلى حدٍ بعيد، فهو يحضر إلينا دواخل الانسان ويجوب فيها كما يفعل دايستايفسكي في رواياته.

بناءاً على ذلك يظهر أن بيرغمان يلتفت لأحداث الحياة بجدية وتركيز تزيل عنها الاعتياد. هذه الجدية تجعل مشاهدة أعماله أمراً شاقاً على نفس المتلقي.

هذا التركيز والتمركز حول الفرد يظهر في تعامله مع الشخصيات وحواراتها:

ثانياً: التمثيل والشخصيات والحوارات:

تعاملَ بيرغمان مع الممثلين بأسلوبٍ يجعلهم يعيشون ويختبرون أحداث وحالات الشخصيات، أسلوب أقرب للحقيقة من أن يُملي عليهم النصوص والحركات التي سيؤدونها، أو أن يدعوهم لتقمُّص الشخصيات. فمثلاً نجد تصرفات وتعابير Liv Ullmann، والتي شاركت في عشرة أعمال لبيرغمان، نجد أن ما قامت به لم يكن تلبُّساً بالشخصية وإنما كان حالة تخيُّل عاشت فيها وتفاعلت معها بمشاعرها، بصورة أقرب للواقع. من الأمثلة على ذلك دورها في فيلم Face to Face 1976، ففي المشهد الذي يبدأ في الدقيقة الثانية والأربعين ويستمر حوالي السبع دقائق، قررت Jenny أن تقضي الليلة في منزل صديقها. وبدأت تحكي له عن محاولة الاغتصاب التي تعرّضت لها قبل أيام، والتي لم تتحدث عنها من قبل، وتعاملت معها بكل هدوء. بدأت حديثها بذكر الحادثة بالتفصيل، حَكَت له كل ما حدث، بعد ذلك بدأت تظهر عليها كل الانفعالات التي حاولت في السابق اخفاءها، انفجرت بنوبة هيستيرية من الضحك والبكاء والهيجان بصورة لم تستطع فيها فهم ما يحدث أو السيطرة على نفسها، ولم يستطيع صديقها تهدئتها، استمر ذلك لعدة دقائق، في مشهد من لقطة واحدة فقط! بكاء Liv وضحكها وحركات جسدها وتعابير وجهها ليست تمثيلاً على الاطلاقه. فالتمثيل عند بيرغمان ليس في أن تُظهر التعابير الجسدية المطلوبة فقط.

أما بالنسبة للشخصيات فإن لغالبها صفات اجتماعية مشتركة تدور حولها الأحداث، منها:
أنها شخصيات مكتفية اقتصادياً، فالفقر أو السعي نحو المال لا يشكّلان أحدَ همومها وأولوياتها، فنحن لا نرى أي أحداث ذات علاقة بذلك. وهي أيضاً شخصيات لا مكان للقضايا العامة اجتماعيةً كانت أو سياسية في حياتها، بل في انشغالٍ دائم بنفسها. هذا الاكتفاء المادي والانشغال الفردي جعلا منها شخصيات متمركزة حول همومها، متجهة نحو الداخل.

ولهذه الشخصيات ثلاث لحظات أساسية في حياتها تدور حولها الأحداث:

الماضي يشكل الجزء الأكبر من تكوينها، من الشخصية التي نراها أمامنا، حيث يوجد في حياتها حدث في الماضي ترجع إليه، شكَّل شخصيتها وحدد مساراتها وتحكم في رؤيتها للمستقبل، وجعل من حياتها مليئة بالهموم.

أما اللاحق من حياتها فتقضي وقتاً كبيراً منه في الاسترجاع والتحليل والخروج من ذلك الحدث الماضي بنتائج وتفسيرات تكشف بها عن نفسها وتفهمها. هذا الفعل المتواصل يجعل منها شخصيات على وعيٍ عالٍ بذواتها.

وفي الحاضر، تكون اللحظة المفصلية، والتي هي محور الفيلم وموضوعه، المستثير والداعي لكشف الشخصية عن نفسها ومواجهتها لها. هذا الحدث يكون في الغالب منفصلاً عن أحداث الحياة اليومية، لا يتكرر كثيراً وقد يحصل مرة واحدة في العمر ولكنه كافٍ لهذا الكشف.

الماضي عند بيرغمان فعلٌ مستمر يمدُّ يديه على الحاضر ويؤثر فيه

كل ذلك يعالجه من عمومياته إلى أدق تفاصيله، حيث نجد هذه الثلاث لحظات بوضوح في Autumn Sonata 1978.

مكانة أحداث الماضي وثِقلها يُظهر لنا تصُّور بيرغمان لتكوين النفس الانسانية. فالماضي عنده فعلٌ مستمر يمدُّ يديه على الحاضر ويؤثر فيه. وكما كان الالتفات لأحداث الحياة بجدية صعباً على نفس المتلقي، فإن هذا التركيز على الماضي ومواجهته يجعل من سينما بيرغمان أقرب ما تكون من الواقع وأبعد ما تكون عن الهروب منه.

وعي شخصيات بيرغمان بذواتها يظهر في تعبيرها عن نفسها باللغة، سواءاً في حواراتها الداخلية أو مع الآخر. فالحوارات دائماً ما تتميز بالوضوح والتركيز والاِقتضاب، هي ليست حديثٌ للتنفيس فقط، بل بناءٌ أمْضَى أصحابه سنوات في العمل عليه. بناءٌ يخاطب الفرد فيه نفسه جاعلاً المشاهد طرفاً مراقباً ومتفاعلاً، أو يخاطبُ شخصاً آخر في العمل جاعلاً هذه الشخصية والمشاهد مراقبين ومتفاعلين.

وعي شخصياته بذاتها يُظهر لها حقيقة نفسها وحياتها، هذه الحقيقة التي قد تُحتمل أحياناً ولا تُحتمل كثيراً، فنجد من شخصياته من على شفى الانهيار بسبب ذلك، أو من استسلمت لما وجدته وانهارت، هي شخصيات تعيش في منطقة رمادية ما بين الوعي التام والاضطراب التام والانسحاب التام من الواقع.

هذا الوعي والتعبير عنه يوفر له بيرغمان مساحة للظهور بعدة أساليب منها وجود الثنائية: الطرف الآخر المقابل للشخصية. هذا الآخر هو مرآتها أحياناً، وعكسها أحياناً أخرى. شخصية لها ارتباط وثيق بالأساسية ولا توجد اعتباطاً. فالاثنان فكرة مكتملة معاً، أو الفكرة التي تتضح بنقيضها. نجد ذلك في The Virgin Spring 1960.

هذا التركيز والتمركز حول الفرد يظهر في أسلوبه البصري:

ثالثاً: الرؤية البصرية والتقليل:

يرى بيرغمان أن من أهم اسهامات السينما للفنون هي تسجيلها للتغيّرات في الوجه الانساني عن طريق الكاميرا. في

إظهارها المادي لدواخل الانسان. يقول عنه في أحد المقابلات ”وجه الانسان هو أكثرُ الأشياء سينمائيةً في الوجود، هذا أمرٌ واضح جداً ومثير، يمكنك الجلوس أمام التلفاز مذهولاً وأنت تشاهد الوجه لساعات، بسبب تغيُّره المستمر…"

فكاميرا بيرغمان تتبّع وجه الانسان، وترصد تغيراته. فإعدادات التصوير من زاوية وحركة للكاميرا وإضاءة وغير ذلك كله مبنيٌ لتكوين الصورة التي تسجل تعابير الوجه بأفضل ما يمكن. أوضح الأمثلة لذلك الاستخدام المتكرر للقطات Close-up، والتي تحوي الوجه الانساني فقط، نراها في فيلم Persona 1966. فصورته خاضعة لذلك أولاً وتأتي بعد ذلك العوامل الجمالية والبيئة المحيطة للشخصيات.

أما بناء المَشاهد وعددها ولقطاتها وكل عناصر رؤيته البصرية، فيعتمد فيها على الأسلوب التقليلي والذي فيه الحد الأدنى من العناصر والمحتوى الضروري الذي لا غِنى عنه. ولا يكون ذلك على حساب العمل بالإنقاص منه أو التقشُّف في محتواه. هذا الأسلوب يبدأ من النص السينمائي الذي يحوي تجربة وأحداث محددة، وشخصيات محددة، ومكان وزمان محددين. فالأحداث بلا مقدمات وتنتهي بما يجب التوقف عنده، والشخصيات الرئيسية في عدد من الأفلام لا تتجاوز الاثنين. كل ذلك ينسجم مع التجسيد البصري، في مشاهد قليلة ولقطات طويلة، حيث نجد ذلك في فيلم Winter Light 1963.

هذه الخصائص في الصورة جعلت من السينماتوغرافر السويدي Sven Nykvist باسهاماته وتعاونه مع بيرغمان أحد أعظم المصورين السينمائيين. وباسهاماته هذه نقل هذه الخصائص في تعاونه مع مخرجين آخرين طوال مسيرته.

الأسلوب التقليلي والذي فيه الحد الأدنى من العناصر والمحتوى الضروري الذي لا غِنى عنه

هذا الحد الأدنى وهذه الضرورية يجعلان من أفلام بيرغمان بين أكثر الأفلام التقليلية في السينما، جنباً إلى جنباً -وتتجاوز أحياناً- أعمال الفرنسي Robert Bresson. كما يجعلان أفلامه في درجة من أعلى درجات السينما، وهي أن يكون الفيلم عن حالة محددة لا قصة مليئة بالحوادث والأحوال.

الجدير بالذكر أن الأسلوب التقليلي يشمل حتى العناصر غير البصرية، كالصوت، فالموسيقى التصويرية لا وجود لها في غالب أفلامه. حيث يعتمد على الأصوات المحيطة بالشخصيات. مثل صوت عقارب ساعة الحائط، والذي يتكرر في أفلامه ويوظفه بحسب سياق الأحداث كما في فيلم Face to Face 1976.

كما نجد أنه لا يستخدم الحوارات في غير موضعها، فاللحظات التي تصمت فيها الشخصيات بذات أهمية اللحظات التي تتحدث فيها. ففي الصمت تواجه نفسها أو تفكر في حالها أو هو انعكاس لحالة ضيق أو حزن أو عجز أو تستمع وتتفاعل أو مجموعُ من ذلك كله. نجد ذلك مثلاً في Cries and Whispers 1972.

 


خارج النموذج:

كان بيرغمان محباً للتجربة والمغامرة ومرناً في التعامل مع الظروف

هذا النموذج الذي وضعته وانتقلت فيه ابتداءاً بما يعالجه بيرغمان، مروراً بكيف يؤديه الممثلين، وانتهاءاً بكيف يجسّده سينمائياً، هو محاولة لتقديم طريقة منظمة للنظر في إنتاجه. لكنها تبقى غير نهائية ولا تحيط بكل شيء. كما أنها لا تعني أن بيرغمان كان نمطياً ومحباً لتكرار أسلوبه، بل على العكس فقد كان محباً للتجربة والمغامرة، كاسراً للحواجز في النص السينمائي وما يعالجه، وفي التمثيل، وفي الرؤية البصرية. وكان يستجيب بمرونة لتغيُّر ظروف الانتاج سواءاً بتنقله بين السينما والتلفزيون أو بتغيُّر أماكن وجوده داخل السويد أو خارجها أو حتى في تغيير لغة الفيلم. في الآتي بعض الأمثلة على ذلك:

من سبعينيات القرن الماضي ومع استمراره في إنتاج الأفلام، بدأ بانتاج مسلسلات قصيرة للتلفزيون. هذه التجربة سمحت له بالانتقال من الحالة في الفيلم إلى القصة في المسلسل، وسمحت له كذلك بعرض أحداث وحالات وثيمات متعددة في القصة التي يتناولها، وغير ذلك من الإمكانات التي وفرها له هذا الوسيط الجديد. مثال ذلك المسلسل القصير Scenes From a Marriage 1973 والذي تنقّل فيه من خلال ست حلقات في العلاقة الزوجية المضطربة لأسرة سويدية، كل حلقة كانت تمثل مرحلة وحالات جديدة في علاقة الزوجيَن، ابتداءاً بمرحلة استقرار العائلة مروراً بالمشاكل التي واجهوها وغيرها من الحالات التي أخذت كل واحدة منها مساحتها الكافية.

تجربة ثانية نجدها في المسلسل القصير Fanny and Alexander 1982 ففيه لم يكتفي بيرغمان بتركيزه على تسجيل التغيرات في الوجه الانساني، بل زاد عليه وحكى كما لم يحكي من قبل، من خلال تركيزه على محيط الشخصيات. فقد كان منزل أسرة The Ekdals غنياً بالحياة من خلال اجتماع الأسرة فيه واحتفالاتهم، وتنوع تصاميم وألوان ملابسهم، وكثرة الأثاث والزينة فيه، وتصميمه ذي المساحات الكبيرة والغرف المخصصة لكل شيء. بالمقابل فإن منزل الأُسقف كان النقيض لذلك، فكل شيءٍ فيه جامد وبلا حياة، فأفراد الأسرة أدوارهم صارمة ومحددة، لا تكاد تجد بينهم أنشطة مشتركة، وملابسهم بالية وداكنة، وصارم ومظلم في تصميمه ومتقشِّف في أثاثه وألوانه ويخلو من الزينة. هذا الاختلاف في البيئة المحيطة لكل أسرة متسق تماماً ويؤكد الأختلاف بين شخصياتها.

تجربة ثالثة نجدها في فيلم From the Life of the Marionettes 1980، فبالرغم من أن أفلامه يحوي العديد منها مشاهد أحلام خاصة بالشخصيات، فقد كانت لأحلام Peter مساحة كبيرة في الفيلم، وكانت لها دورٌ مهم في تصوّره لنفسه وفي تصورنا عنه. من جهة أخرى فإن تجسيد هذه الأحلام كان مختلفاً عن أعمال بيرغمان السابقة، فبناء المشاهد فيها وتكوينها ولقطاتها كان مغايراً للواقع ومنفصل عنه بشكلٍ واضح، كان للأحلام عالمها الخاص.

يتضح مما سبق أن إنغمار بيرغمان قد أضاف لتاريخ السينما الكثير، فبتركيزه على النفس الإنسانية وهمومها قد ساهم في فتح مسارات في السينما كانت موجودة في غيرها من الفنون كالأدب، مسارات الحفر في النفس الانسانية وكشفها. ومن خلال أسلوبه مع الممثلين وكيفية تصويرهم قد فتح امكانات جديدة للتعبير السينمائي بالوجه، تُضاف لما سبقها كاللغة وحركات الجسد والبيئة المحيطة وغيرها. كما أثبت بواسطة أسلوبه التقليلي أنه لا توجد طريقة واحدة صحيحة يتم بها سرد الأحداث والتصوير واستخدام الأصوات وغيرها، بل لكل فنان طريقته. كل هذا وأكثر يجعل منه اسماً فنياً مهماً في تاريخ الفنون أولاً، وتاريخ السينما ثانياً.

 


*ترجمتي للحوار مع مايكل هانيكه والذي تحدَّث فيه عن المخرج-المؤلف.