*توقيع المؤلف: حوار مع مايكل هانيكه
حاورته هيلاري ويستون
٢٦ديسمبر - ٢٠١٧ م
ترجمة عدنان عوض
مراجعة الترجمة أ/بثينة الإبراهيم
أمضى السينمائي النمساوي مايكل هانيكه، البارع في أسلوب الصرامة، مشواره الفني في إثارة المشاهدين واستفزازهم المستمر بتعليقاته المُحكمة على حال أوروبا الحديثة. وكعادة أفضل أعماله، فإن فيلمه الأخير (نهاية سعيدة)، يجمع الحفر الفكري والجذب الكامل.
في هذا الفيلم ذي الطابع التهكمي يجتمع من جديد مع اثنين من أعظم المتعاونين معه: ايزابيل أوبر وجان لوي ترنتنيان، حيث يحكي قصة أسرة مفككة من خلال موضوعات كالتقنية، والمراقبة، وذنوب الطبقة البرجوازية، موضوعات تناولها بشكلٍ متكرر في أعماله.
جلس معي هانيكه أثناء وجوده في مهرجان تورنتو السينمائي، حيث العرض الأول لفيلمه في أمريكا الشمالية، والذي سيبدأ عرضه كذلك هذا الأسبوع في نيويورك، تحدث عن تجاربه المبكرة التي أوقعته في حب السينما، وعن الأفلام التي شكّلت أسلوبه الجمالي الفريد.
لدي فضول لمعرفة تجربتك الأولى في صالة سينما، هل تذكرها؟
أول فيلم ذهبت إلى السينما من أجله، ولم أشاهده، هو (هامليت) للورنس أوليفيه، حيث أخذتني جدتي إليه. بدأ الفيلم بلقطات لقلعة مظلمة وموحشة، وموسيقى مُربكة جداً. أصابني ذلك بالرعب لدرجة أنني بدأت بالبكاء وازعاج الحضور، مما أُضطر جدتي لإخراجي من السينما.
لابد أن ذلك قد أثَّر عليك بغير وعيٍ منك. هل هناك مخرج سينمائي معين أوقد بداخلك فكرة السعي للعمل في السينما لاحقاً؟
عندما كنت شاباً كانت هناك العديد من الأشياء التي أردتُ القيام بها. في البدء كنت أود أن أصبح عازفَ حفلاتِ بيانو، لكن لم تكن لدي الموهبة لذلك، بعدها أردت أن أصبح ممثلاً، وذلك لأن والداي كانا كذلك، لكني فشلت في اختبارات القبول لمدرسة السينما-حيث كان علي القيام بأداء دور معين ولم أُقبل. بعدها بدأت بالكتابة، أصبحت ناقداً وشاهدت العديد من الأفلام، مما قادني لتخيل إمكانية قيامي بذلك. لو تقرر عليَّ تسمية شخص واحد قادني للتفكير في هذا الأمر سأقول أنه روبرت بريسون.
ما المميز الذي خاطبك في أعمال بريسون؟
الذي صدمني في بريسون هي الجدية التي جلبها للسينما وللمُشاهد. تعجبني زاوية نظره للأمور كذلك. حقيقة أن لديه مقدرة اختراع لغة شخصية وفريدة تُعيد انتاج الطريقة التي يُدرك بها العالم-هذا أمرٌ من الصعب القيام به.
يستخدم معظم مخرجي الأفلام كلشيهات سينمائية بوصفها عناصر بناء لأعمالهم، أما عملية إيجاد صوت فردي، وعلامة مميزة لأعمالهم، فهو عملٌ شاق. هناك عدد بسيط من السينمائيين استطاعوا القيام بذلك، وأراهم كالأعلام في السينما، أفكر في أمثال أندري تاركوفسكي و جون كاسافيتز.
لديك تعاون مستمر مع ممثلين كايزالبيل أوبر وجان لوي ترينتينيان، هلاَّ أخبرتني أكثر كيف تعمل معهم
ليست هناك مُقاربة محددة، ولا أملك نظرية في ذلك. لكن ما يمكنني قوله هو أني أحب الممثلين وأحب العمل معهم. الأمر كله يتعلَّق بخلق جو من الثقة، يطمئن الممثلون من خلاله أنك هناك لدعمهم، وهذا يقودهم بالمقابل لتقديم أفضل ما لديهم. المشكلة حينما يشعر الممثلون أن المخرج لا يفهمهم أو أنه غبي حينها سيصمتون.
يسألني طلبتي دوماً « كيف تعمل مع الممثلين؟ما هو السر؟» وجوابي لهم باستمرار أنه لا توجد طريقة محددة. فكل ممثل مختلف، بالتالي عليك العمل مع كل واحد منهم بشكلِ مختلف.
عملت مراراً مع نفس الممثلين لأني أعرفهم، ولدي القدرة على الكتابة بما يناسب نقاط القوة والضعف لديهم. هنا بدأت الاستمرارية في التعاون، والتي زادت احتمالية الحصول على نتائج جيدة. على سبيل المثال عندما أعمل مع اليزابيل أوبر، تقوم بقراءة السيناريو وتفهمه، ولا نكون مجبرين على التحضير لوقتٍ طويل في مناقشة نوايا الشخصية التي ستؤديها.
ما الجزء الأكثر امتاعاً بالنسبة لك من عملية اخراج الفيلم؟
إعادة التسجيل ودمج الصوت. فأنت في هذه المرحلة في وضعٍ خالٍ من الضغوط، فكل أجزاء العمل اجتمعت، وفيها تستطيع تحسين الأمور.
أنا مهووسٌ بالصوت، لذلك نقوم بعملية الدمج لمدة شهرين- هذه فترة مترفة جداً، ولكنها مرضية لي كثيراً. كنت أملك لسنوات طويلة دامجاً للصوت جيداً جداً.
أنا شخصٌ سماعي، لستُ بصرياً. عملت كمخرج مسرحي لسنوات طويلة، كنت أجلس تحت المسرح وجسدي منحنٍ للأسفل بينما يؤدي الممثلون البروفات. كان الممثل منهم يقول «ولكنك لا تنظر إليَّ حتى!» وكان جوابي «بالرغم من ذلك فإنني بهذا الشكل أراك أفضل، فعندما أركز على صوتك، أستطيع أن أسمع أبسط الأخطاء، أما إنْ نظرتُ إليك فربما سأتجاوزها.»
هل تفكر أثناء الكتابة بعقلية المخرج كذلك، في تصورك لكيفية حَكْي الفيلم بصرياً؟ أتخيل أن ذلك كانت له أهمية خاصة في فيلم (نهاية سعيدة)، ففيه عدد من المشاهد تحدث في شاشات الهاتف الجوال والحاسوب
الأفلام التي حفزتني، وأثرت فيَّ، وتركت علامة بداخلي هي أفلام أنجزها مؤلفون-مخرجون، يكتبون نصوصهم الخاصة. ففي أثناء الكتابة هم على علم بمَن سيخرج نصهم، ولديهم تصور عما سيكون عليه المنتج النهائي. فهم يتعاملون مع الموضوع، والحوار، والطريقة التي سيُصور بها، كل ذلك في وقتٍ واحد. على سبيل المثال، في فيلم (شفرة مجهولة) يوجد مشهد يتكون من سلسلة من اللقطات الطويلة جداً والتي استمرت لحوالي العشر دقائق. إنه مشهدٌ معقدٌ في بنائه، وكان من المستحيل عليَّ تأليفه لو لم أقم بإخراجه، كما أنه من المستحيل عليَّ إخراجه لو لم أكن أنا من كتبته. عندما كنت أكتب كنت أفكر في كيفية تقديمي له، كيف سأقوم باخراج هذا المشهد.
لو لم تقم بالاخراج والكتابة معاً، فقد أرحت نفسك، وصنعت شيئاً سهلاً ولم تخاطر. ربما تكون القصة محكية جيداً وتقنيات تنفيذها جيدة- وهذا هو الحال في استدويوهات الانتاج في هوليوود، حيث تُنفذ الأفلام بواسطة تقنيين محترفين وخبراء في مجالهم- لكنه فعلٌ موضوعيٌ بحت وبعيد عن الشخصية. لا يمكن أن يُعامل الشكل منفصلاً عن الموضوع. هذا النوع من المقاربة -أي التعامل مع الشكل والموضوع معاً- ممكن فقط في حالة الكاتب-المخرج.
هل هناك أدباء تجد نفسك تتردد على أعمالهم أو تجدك قريباً منهم؟
نعم هناك الكثير-لدي أكثر من ستة آلاف كتاب في منزلي، أحد الكتب التي أعتبرها مأوىً لي هو (دكتور فاوستس) لتوماس مان، أشعر بقُربى قوية مع الأدب الألماني. يحضُرني كذلك كتاب روبرت موزيل (رجلٌ بِلا صفات)، تولستوي ودايستايفسكي أيضاً، أعظم العظماء. أما من بين المؤلفين المعاصرين، يعجبني ميشيل هولبيك.
أقرأ كتاباً واحداً في الأسبوع على الأقل، لذلك من الصعب الإجابة
إذاً أنت تقرأ أكثر مما تشاهد
نعم. لكني أعيد مشاهدة أفلام محددة مرة تلو الأخرى، فالفيلم إذا كان جيداً حقاً، تستطيع أن تتعلم منه حتى لو شاهدته عشرين مرة. إنني مُلزَمٌ كذلك بإعادة المشاهدة لأني أدرِّس السينما، فكل سنة، عندما يأتي الطلبة الجدد، لدينا مساق دراسي أعرض فيه عدداً من الأفلام الكلاسيكية. أبدأ كل سنة ب (المرآة-١٩٧٥) ثم (بالتازار-١٩٦٦) و(تاريخ آنا ماجدالين باخ-١٩٦٨) و (امرأة تحت التأثير-١٩٧٤)، هذه الأفلام الكلاسيكية العظيمة.
على الرغم من أنك لا تشاهد الأفلام بانتظام، هل هناك مخرجوا أفلام معاصرون تعجبك أعمالهم؟
يعجبني أصغر فرهادي، أعتقد أنه كاتبٌ جيّدٌ حقاً، سيناريوهاته مميزة وفي مستوى تشيخوف. يعجبني كذلك يورغوس لانثيموس، وروبن أوستلند… يوجد أشخاص جدد مثيرون للاهتمام، وهم كذلك كتاب-مخرجون.