يُعتبر الخلْق الفني من الأنشطة الإنسانية التي فيها مساحة لحرية التعبير أكبر نسبياً من غيرها. وهي حرية لها ارتباط وثيق بنظام القناعات والقيم -أو قل بالثقافة- التي نشأ فيهاالفنان. حيثُ توجِّه تجسيده لهذه الحرية في أعماله.هذا الارتباط -الحرية بالثقافة- يُعد من العوامل التي تُكسب العمل الفني خصوصيته وفرادته. وهذا ما يميز “تاجوج”، فهو قصة حب خرجت من نظامها الاجتماعي الخاص وتأثرت بكل ما فيها، ابنة بيئتها، تم التعبير عنها بكل محمول ثقافي فيها، بحرية واتساق تاميَن. تاجوج لم يتنكّر لنظام ثقافته، ولا حاول تجميلها، ولا الابتعاد عنها أو حشو ما ليس فيها.
. يوجد حد أدنى وشروط ضرورية بتحقُّقها يسمى العمل المقدم “فيلماً”. بغيرها يختل العمل و بالإضافة عليها يتحسّن ويُذهل متلقيه. عدم وجود الإضافات لا يعني سحب أحقية العمل في أن يكون فيلماً. فبسبب ضعف الانتاج وفقر الإمكانات، تتم مقارنة تاجوج وغيره من الأعمال السينمائية في العالم بأعمال أُنتجت بتكاليف باهظة وتوفرت لها ظروف انتاج مثالية، كأعمال هوليوود -مثلاً-، هذه المقارنة في أغلبهل تتم على المستوى الثانوي، مستوى الإضافات والتحسينات لا مستوى الحد الأدنى والشروط الضرورية.
هذا الخلط -بين ماهو ضروري وما هو ثانوي- يقود لخلط في الحكم على العمل؛ حكم يبعده من دائرة التركيز والاهتمام ويسقطه من النظرة الجديّة ، ويمنح هوليوود معيارية ليست في محلّها. إن تاجوج هو فيلم، بالشروط الضرورية. وأما الإضافات التي تلعب فيها الإمكانات دوراً كبيراً، فليست طريقة نافعة للحكم عليه -على الأقل في المرحلة الأولى من الحكم.
. هناك معياريّة أخرى بالإضافة لمعيارية هوليوود وهي النظرة التاريخية. وأقصد بها تقييم العمل بناءاً على تاريخ انتاجه؛ فما كان قديماً هو سيئ بالضرورة وما كان حديثاً هو أفضل بالضرورة؛ وبالتالي علينا التخلّي عن القديم لصالح الجديد. هذه النظرة "التقنية" للعمل ليست في أصل الفن، فالعمل الفني لا يتقادم ولا يتقدّم بمرور الزمن. بل فيه عناصر تكسبه خاصيّة تخطي الزمن وبالتالي الخلود . هذه النظرة التاريخية تجعل العديد من الناس لا يرغب في مشاهدة أفلام أنتجت منذ عقود كأفلام الأسود والأبيض، لأنها قديمة!
بالرغم من مرور حوالي الـ ٣٥ عاماً على انتاج تاجوج، وبالرغم من أن التقنية المستخدمة في انتاجه لا ترقى إلى ما نشاهده الآن، ولا حتى إلى العديد من انتاجات تلك الفترة، إلاَّ أنه صالح للمشاهدة. فالمعيارية في الفنون تُقاس بعوامل أخرى مثل مدى ارتباط المتلقي بمايشاهده أو تأثيره عليه. فكل عمل يمس في متلقيه شيئاً، يظلُّ عملاً حيّاً.
. بناءاً على النقاط الثلاث: التقرير والوعي بأن تاجوج يدخل في سياق الممارسة الفنية المرتبطة بالحرية والثقافة، وبأنه فيلم، وبأنه عملٌ حي؛ نستطيع التركيز على ما يحمله من ميّزات تجعل لصاحب العمل -جاد الله جبارة- وفريق العمل وبيئة انتاجه، مكانة وإضافة لحركة السينما في السياق الذي أُنتج فيه:
ففي تاجوج نجد عوامل كثيرة ميّزته مثل:
١/ تأليف نص ينتمي للسياق الثقافي لصاحب العمل، لا قصة غريبة تعيد انتاج كليشيهات قصص الحب.
٢/ توظيف الغناء والشعر والمقولات والأمثال الشعبية من قِبل الشخصيات في التعبير عن أحوالها، مثل ما قام به "المحلَّق" أحد شخصيات الفيلم.
٣/ اللجوء إلى الطبيعة، البادية في منطقة كسلا، كمكان للانتاج. فقد كان لظروف القصة الحكم في اختيار المكان.
٤/ اخراج جاد الله جبارة للفيلم ومشاركته في السيناريو وإدارته للانتاج، تثبت أن السينما فنٌ فردي، تظهر فيه رؤية الفنان بشكل أوضح كلما شارك في عناصر انتاجه.