هذا المشهد استثنائي وسط سلسلة من العنف والمآسي في الفيلم قبله وبعده. حيث يسمح، بالرغم من قسوته، بالوقوف على الصورة الكاملة للعبودية، بعرضها من أكثر من زاوية، في الجلاد والضحية الحالية والضحايا المحتملين والسياق العام.
فأهميته في أنه أكثر المشاهد هدوءاً بين مشاهد التعذيب، في الطريقة التي تم تكوينه بها، فهو كثيف بصرياً من حيث تصويره للتعذيب، لكنه تقشفي في عناصر تكوين المشهد الأخرى. فتواتر الأحداث بسيط، ويترك مساحة بصرية وفراغ لغوي وصوتي، يُعطي الفرصة للمتلقي للتأمل فيما استثاره فيه كامل الفيلم حتى لحظة المشهد هذا. واستصحابه معه في المشاهد القادمة.
فبالنسبة لحركة الكاميرا، فثباتها على طول المشهد سمح بأن نرى كل من في المكان وماذا يفعل وكيف يستجيب لتعذيب سولمون، ثبات محايد للجميع تقريباً، يسمح، من ضمن ما يسمح، للمتلقي بالتأمل بطريقته الخاصة بعيداً عن أي تأثير وإجبار مسبق. حيث نرى كل مستويات العقاب على الجميع، فنرى الضحية الحالية والمحتملة، ونرى التأثير الذهني والنفسي والاجتماعي. هنا في هذا الفيلم المتسارع الأحداث والمليء بالعنف تظهر لنا لمحة من الأسلوب السينمائي للإيراني عباس كياروستامي في سينما التأمل الخاصة به، والتي تقف على الحياد فتسمح للمتلقي بالمراقبة والتأمل. هنا تستطيع التقاط أنفاسك وتعيد ترتيب مايحدث في الفيلم ويحدث بداخلك.
أما بالنسبة لتواتر الأحداث، احتوى المشهد على حدث واحد رئيسي، لكن تكراره كان كافياً لزيادة ثِقل العقوبة على المتلقي. فسلومون على هذه الحال لنهارٍ كامل. يحاول مراراً ألا يموت. هنا؛ استمرار التعذيب وتكرار محاولات سولمون كانت أولى من ملء المشهد بأساليب تعذيب معتددة، فأسلوب تعذيب واحد على شخص واحد وفي موقف واحد يكفي لادراك بشاعة ما يحدث.
أما الحوارات والموسيقى، فقد اختلف هذا المشهد عن جميع مشاهد التعذيب في الفيلم بخلوه من الحوارات والموسيقى. فكان صوت حركة الحبل وأطراف أصابع سولمون على الوحل وتنهيداته كافية لإثارة كل شيء. كان صمت البشر والطبيعة على هذا الظلم أبلغ من أي حوار وموسيقى لإيصاله.
إن التقليلية والفراغ في العمل الفني، والسينمائي هنا، لا ترتبط بالصورة فقط، بل بكل عناصر انتاج المشهد. وتكوين المشهد لا يعني القدرة على الاضافة فقط، بل ”و“ القدرة على حذف ماهو غير ضروري، للسماح بالضروري أن يتجلّى.